”هَرْوَلْنا من السيارةِ إلى نادي الـﭽاز، ونحن نَزُمُّ المعاطفَ على أجسادِنا نرفَعُ قلانِسَها على رؤوسِنا كيلا تبْتلَّ بمطرِ الشتاءِ المتجمد. غطَّى الجليدُ كلَّ شيء: أسطحَ البيوتِ المائلة وأسقفَ السياراتِ والرصيف، وبدَّدَ لونُهُ الأبْيَضُ مع الغَيْمِ بهْجةَ الرُوحِ المُتَشَوِّقَةِ إلى الشمس.
مِنَ اللَّحْظةِ التي دخلنا فيها دفْءَ النادي، ألمّ بي شعورٌ بأنني تركتُ ورائي ما ألِفْتُهُ من إيقاع. سَيْطَرَ علىّ صَخَبُ المَكانِ وَأَفْقَدَنِي حَوَاسِّي. أَصْواتٌ عالِيَةٌ أَصَمَّتْنِي وأَفْقَدَتْنِي سَكينَتي وشعوري بالاتجاهات. مزيجٌ من رقَعِ طُبولٍ، وَنَفِيرِ سَاكْس، ونَشيجٍ لَحوحٍ من جيتار كهربائي. واجَهْتُ ظلامًا جَعَلني أتَحَسَّسُ طَريقي إلى الطاوِلَةِ بِخُطواتٍ مًضْطَرِبة. بَدَأَ يَحُلُّ فيَّ وَيتغلغلُ في مساربي وقعٌ آخرُ، قاومَهُ جسدي ورفضَ الانصياعَ لَهُ طويلا.
لم تَكُنْ إلا بقعةٌ واحدةٌ من ضوءٍ باهرٍ مُسلَّطةٌ علىّ مُطربةِ الـﭽاز السوداءِ قِبْلة الأَنْظار. مِن عِنْدها يَأْتِي الإِيقاع، وَمِنْ قَرارِ حنْجَرِتِها تَصْدُرُ آهاتٌ أَقْرَبُ إلى صرخاتٍ أَنينِيَّةٍ عَالية، نَشيجٌ عَذْبٌ مُرٌّ في آنٍ معًا، لا يَلْبَثُ أَنْ يؤولَ إلى صَمْتٍ مُحَبْب. صُراخٌ وَصَمْت ثُمَّ صُراخٌ وَصَمْت. مِقْدارٌ موزونٌ بِدِقَّةٍ مِن كِلِيْهِما. صَرَخاتٌ مُزَلْزِلَةٌ مُسَيْطِرةٌ تَحْمِلُ سنواتٍ من العذابِ والقَهْر، وَتَحْمِلُ أيضًا قُوةً ورفْضًا وَتُنْبِئُ بِثوْرَةٍ عَارِمَةٍ مُغَلَّفَةٍ بِصَبْرٍ مَشْحُون. يَتْبعُ الصَّرْخَةَ صَمْتٌ لَحْظِيٌ تَلْتَقِطُ فِيهِ المُطْرِبَةُ أَنْفاسَها وَقَدْ أَعْطَتْ كُلَّ ما لَدَيْها فِي الصَّرْخَةِ الماضِية، وَلمْ تُبقِ داخِلَها إلا الصَّمْت. لَكِنَّها، مِنْ مِقْدارِ النَّفَسِ الذي ادَّخَرَتْهُ لَحْظَةَ الصّمْت، وَقَدْرِ ارتفاعِ يديها في الهواء، وشدَّةِ إغْماضِ عَيْنيها اسْتِعْدادًا، تُنْبِئُكَ أَنّ الصَّرْخَةَ التالِيةَ سَتَكُونُ أًقْوى....“
القصة كاملة هنا
أنا مش تبع مخلوق يا سيدنا البيه .. أنا حُر في إللي يقول ضميري عليه .. وإن كنت تُحكم جوا ملكوتك .. الشارع الواسع فاتح لي إيديه .. (صلاح جاهين)
١١ يونيو ٢٠٠٦
القرارُ والجواب
(قصة قصيرة لم تنشر من قبل بقلم أمينة عبد العليم)
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)