٠٣ أبريل ٢٠٠٥

وحدكم!

لتتقدَّس أيديكم، أيها القابضون على الحجر الأخير وعلى الجمر الأخير..
لتتقدَّس أيديكم الرافعة، وحدها، جبالاً من أنقاض الفكرة اليتيمة،
وليتحول ظلكم المحروق إلى رماد عنقاء يجدِّدكم لتبنوا منه ومنكم مغارةً لطفل يُولد،
ولتنبت أسماؤكم حبقاً وريحاناً على سهل يمتد من خطاكم، سهل لتهتدي حبةُ القمح إلى ترابها المسروق؛
أيها المشرقون فينا أقماراً يعجنها دم سخيّ يُنادي حُرَاس القلعة الهاربين إلى صفوف الأعداء، فما يُجيب سوى الصدى الساخر:
وحدكم!..
من آثار خُطاكم، الخطى التي لا تخطو إلا تحت أو فوق، سنلُمُّ الجزر المتطايرة المتنافرة كما يلم الشاعر البرّق المتناثر من حوافر خيل على صُوَّان.
ومن خيمة هي ما يسيل علينا من ريش الصقور المعدنية سندلُّ القبائل على حدود أسمائها.
.. وحدكم!
فاحموا حدَّ النشيد، كما تحمون، مما يُثلم القلب في هذه البرية الضيقة، الضيقة كمدى لا يُطلُّ من النافذة ..
.. وحدكم!
البحر من ورائكم، والبحر من من أمامكم، والبحر عن يمينكم، والبحر عن يساركم، ولا يابسة إلا هذه اليد الممسكة بحجر هو الأرض.
.. وحدكم!
فارفعوا مائة مدينة أخرى على هذا الزناد، لتخرج المدن القديمة من اصطبلاتها ومن سلطة الجراد النابت في خيام الفراء الصحراوي..
لم يبق لنا من موت إلا موت الموت..
وحدكم،
تحمون سلالة هذا الساحل من اختلاط المعاني، فلا يكون التاريخ سلس المراس، ولا يكون المكان إرثاً يُورَّث.
ولتتقدَّس أيديكم أيها القابضون على الحجر الأخير وعلى الجمر الأخير.

محمود درويش
من كتاب «ذاكرة للنسيان»