٢٩ أغسطس ٢٠٠٥

ذكريات المستشفى

أخيراً أدركت أين أنا
مستشفى
عرفتها من ظلمتها الموحشة
وما أحسه فوق خدىّ دموع جفت
والطعم فى حلقى طعم المخدر
كل ما أريده الآن ... قبلة ندية

لماذا ترك لى زائرى راديو ترانزستور ...
خروشته تبل المخدة بذكريات الساعة الحادية عشر فى ليال تأتينى أنفاسها البعيدة مجتمعة وكأنها ليلة واحدة مغطاة بأغطية تنطفئ ألوانها مع انطفاء النور
ذكريات التثاؤب العالى فى الغرفة المجاورة وكأنه صياح ديك معكوس
ذكريات نشرة الأخبار المملوءة بكبار الزوار والتى تنتهى قبل أن أعرف نتائج المباريات
لماذا ترك لى زائرى دليلاً على أن العالم خارج المستشفى موجود
وأن المسافة التى شجعنى الطبيب على مشيها بين السرير والردهة هى أصغر كثيراً مما كنت أعتقد
لماذا ترك لى زائرى راديو ترانزستور ولم يترك لى حبيبة أستند على كتفيها حتى أدخل الحمام

أخاف من بعض الذكريات وأخجل من بعضها
وأدخر بعض الذكريات لأيام قادمة
وأخزن بعض الأحداث فى صندوق الذكريات
لأستحلبها وأختلى بها
وألعب معها وألعب بها
وأغيرها كى أنتصر فى هزائمى المتكررة
وأشكلها أشعاراً ورواياتٍ
وشخوصاً هائمة
تخرج من رئتىّ لتملأ العالم
ولا أستطيع – حينئذٍ – إعادتها إلى الصندوق
لذا
أخاف من بعض الذكريات وأخجل من بعضها

فى سريرى أحمل قلماً
وتحيطنى الأوراق
أستمطر الشعر بدموعى وذكرياتى وحرمانى وضعفى
لكن النوم ينقذنى من شر القصائد المفتعلة
ويهدينى أحلاماً تكسر ملل الحياة أحياناً

يا نوم يا رب الأحلام والكوابيس
هل نسافر سوياً لأحباب ماتوا
أحضنهم وأشم رائحتهم
وأفرحهم بصور أحفادهم
وأسألهم الرأى فيما أكتبه

يمشى النور من لمبة العنبر إلى رمشى
ورائحة المطهرات مختلطة بفاكهة مخزنة فى الكومودينو الصاجى تمشى إلى أنفى
وأقدام وأنات وضحكات بعيدة تشترك مع دقات قلبى فى موسيقى مكتومة تمشى إلى أذنىّ عبر قطن المخدات
ويمشى عقرب الثوانى من شرطةٍ إلى الأخرى
ويمشى عشمى إلى التئام الجروح فى غدٍ تأتى فيه أمى حاملة شمساً تنير الفراش وحمداً لله على سلامتى
ويمشى الحزن من قلبى

وتأتى الممرضات على الدراجات البخارية
ثم تتبعهن إوزة بيضاء برية
تتأرجح فى رقبتها السماعة الطبية
وتأمرنى بالذهاب إلى أصحابى فى القهوة فأخرج
لكنى أدرك أنى تأخرت عنهم عندما أجد الشوارع خاوية والقهوة مطفأة
وأركب الأتوبيس لأجد أحدهم نائماً فلا أوقظه
ويمر أمامى موكب الرئيس فى جنازة الطائرة الباكستانية
متجهاً إلى مقابر الإمام
إلى طابور المدرسة
إلى الحمام، وخالتى تستحم
إلى المنور، وجدتى فى الشمس بجانب قفصى الحمام
والقردة السوداء ترقص معى فى فسحة البيت
وتلقينى من سور الكورنيش إلى مشتل الورد
أعرف أنى أعيش فى زحمة الأحلام
ولا أريد أن أصحو

أخاف من البنج
أخاف من الغياب
وأشهد أن لا إله إلا الله
متمنياً عودتى إلى الحياة

ذكريات المستقبل جميلة غالباً
فى زمن قادم سوف أخرج مع زوجتى من المستشفى فائزين بطفل
روح من روحى وروحها
أحمله فى مهد من قماش
وطعامه فى صدرها

عبد السلام أبو زيد - القاهرة

٠٩ أغسطس ٢٠٠٥

الساقية

(قصيدة لم تنشر من قبل للشاعر أمين حداد)

القرن العشرين
راح يفضل في القرن الواحد والعشرين
وشباب الجامعه حيفضلوا في الأتوبيس
وفي الميكروباس
والحزن اللي دايماً يتقلب لتريقه
                                وأحياناً لأغنيه
راح يفضل جوه الشخصيه المصريه
وعقلى حيفضل في الحاره الضيقه
والشمس في المعلقه
تنور الشاي في الصباح
وصور المجلات حتفضل متعلقه
                                عند الجزمجيه
والقطن من الفلاح
للمرتبه والجراح
                  ورف الصيدليه
طفولة الأمهات
حتفضل فى الصور بالمايوهات
الزمن اللي فات
يعنى الزمن اللي ما ضاعش
يعنى تحاسب منه
ممكن ينقض عليك من أيها ناحيه
اوعى تصدق أي حقايق تانيه
كداب اللي يقولك إن الدنيا ماهيش داريه
أو إننا بره الدايره
أو إن تاريخنا هزائم متتاليه
كداب اللي يقولك إن ولادك مش عايزين يقعدوا وياك
وان المدن الجامعيه
ناويه على الهجره الجماعيه
وان الأرض الزراعيه
دخلت كردون الخرسانه
وان جميع أحلامك خسرانه
مبنيه على الذل
وان الخيبه طايله الكل
كداب اللى يقولك ان العادي ... عياط
والدخنه الليليه
ماليه الدنيا شياط
وتخلي عينيك بتبظ
كداب اللي يقولك قش الرز
كداب اللي يقولك ورد النيل
كداب اللي يقولك مات قنديل
وان الحب قليل
وان القبح جميل
وان ميزان الدنيا يميل
                      ويطبب أحزانك
كل ده كدب في كدب
الناس قدامك
ماشيه وفارده ضهورها
جايه بزهدها وفجورها
من أيامها لأيامك
للأيام الجايه
يعنى سواقي الأرض
يعنى الترس يسلم ترس
يعنى الأيام بتورث بعض
والإنسان الإرث
يعنى اللي بيجرى ورا القرش
يعنى اللي بيحزن ويهزر
وبيسهر فى الأزهر
ويبسمل ويبخر
ويزور الأوليه
يعنى القلب الأخضر
يعنى سمار الوش
يعنى شهيد ما خلصش
لساه قادر
            على التضحيه

____________________
© 2004 أمين حداد
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

٠٦ أغسطس ٢٠٠٥

مقال خطير!

قبل أن أنشر مقالي عن القُوى المُطَالِبَة بالتغيير هنا، أرسلته عن طريق صديق مشترك إلى الأستاذ/ جمال فهمي بغرض نشره في جريدة العربي الناصري. وبعد أن اختصرته بطلب منهم لضيق المساحة، وعدوا بنشره في خلال أسبوعين مع رد منهم عليه لاختلافهم معه، وهو ما رحبت به واعتبرته إيجايبا إذا صدق وعدهم بنشر المقال كاملا مستقلا دون أي تعديل.

وبعد مرور الأسبوعين لم ينشر المقال. فلما رجعت لصديقي المشترك أسأله. قال لي أن الأستاذ/ جمال فهمي، المكلف بكتابة الرد، مشغول جدا بمهام في النقابة وليس لديه وقت لكتابة الرد!

ففهمت أنهم غير متحمسين للمقال.

بعدها بأسبوع آخر اتصل بي الصديق ليطمئن على الأحوال وليعتذر لي عن عدم نشر المقال، وقال لي أنه حاول أن يتناقش مع أصدقائه في العربي الناصري ولكنه لم يفهم أبداً لماذا يعتبرون هذا المقال "خطيراً"!

حينما سمعت كلمة "خطير" لم أتمالك نفسي من الضحك. وسألته: هل قالوا ذلك فعلا؟ فقال: نعم. فقلت وأنا مازلت أضحك: يعتبرون مقالي أنا "خطير"! هذا شيء يسعدني ولكنه شرف لا استحقه!

بعد الضحك أخذت أفكر في مغزى ما حدث. وعجبت لمن ينادي بالديموقراطية ويخشى النقد وإثارة الأسئلة. ولا يجد الوقت للحوار مع مواطن مثلي لانشغاله بالثورة بالنيابة عنه!